كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما يومه، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي. وقال بعضهم: لا نصلي ولا نزكي، فأتيته ولا آلوه نصحًا فقلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم. فقال: جبار في الجاهلية خوّار في الإِسلام، بماذا تألفهم، أبشعر مفتعل أو بشعر مفتري؟ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفع الوحي، فوالله لو منعوني عقالًا مما كانوا يعطون لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.
قال: فقاتلنا معه فكان- والله- رشيد الأمر؛ فهذا يومه.
وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب رضي الله عنه وعروة رضي الله عنه. أنهم ركبوا في كل وجه يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم ويجعلون له الجعل العظيم، وأتوا على ثور الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه، وسمع أبو بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم أصواتهم، وأشفق أبو بكر وأقبل عليه الهم والخوف، فعند ذلك يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحزن إن الله معنا»، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه سكينة من الله: {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}.
وأخرج ابن شاهين وابن مردويه وابن عساكر عن حبشي بن جنادة قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله لو أن أحدًا من المشركين رفع قدمه لأبصرنا.
قال: «يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا».
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الذين طلبوهم صعدوا الجبل فلم يبق أن يدخلوا. فقال أبو بكر رضي الله عنه: أتينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحزن إن الله معنا» وانقطع الأثر فذهبوا يمينًا وشمالًا.
وأخرج ابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرج رسول الله وخرج أبو بكر رضي الله عنه معه، لم يأمن على نفسه غيره حتى دخلا الغار.
وأخرج ابن شاهين والدارقطني وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر «أنت صاحبي في الغار، وأنت معي على الخوض».
وأخرج ابن عساكر من حديث ابن عباس عن أبي هريرة. مثله.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر من طريق الزهري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان رضي الله عنه: هل قلت في أبي بكر شيئًا؟ قال: نعم.
قال: «قل وأنا أسمع». فقال:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ** طاف العدوّ به إذ صاعد الجبلا

وكان حب رسول الله قد علموا ** من البرية لم يعدل به رجلا

فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: «صدقت يا حسان، هو كما قلت».
وأخرج خيثمة بن سليمان الاطرابلسي في فضائل الصحابة وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن الله ذم الناس كلهم ومدح أبا بكر رضي الله عنه، فقال: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.
وأخرج ابن عساكر عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: ما دخلني اشفاق من شيء ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى اشفاقي عليه وعلى الدين، قال لي «هوّن عليك، فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام».
وأخرج ابن عساكر عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه قال: عاتب الله المسلمين جميعًا في نبيه صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر رضي الله عنه وحده، فإنه خرج من المعاتبة، ثم قرأ {إلا تنصروه فقد نصره الله} الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي عن الحسن رضي الله عنه قال: لقد عاتب الله جميع أهل الأرض فقال: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين}.
وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن يحيى قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: قال شاب من أبناء الصحابة في مجلس فيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: والله ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من موطن إلا وأبي فيه معه.
قال: يا ابن أخي لا تحلف.
قال: هلمَّ.
قال: بلى ما لا ترده، قال الله: {ثاني اثنين إذ هما في الغار}.
أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبو عوانة وابن حبان وابن المنذر وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فرأيت آثار المشركين فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا تحت قدمه. فقال: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ وأبو نعيم في الدلائل عن أبي بكر رضي الله عنه. انهما لما انتهيا إلى الغار إذا جحر فالقمه أبو بكر رضي الله عنه رجليه قال: يا رسول الله إن كانت لدغة أو لسعة كانت فيَّ.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كانت ليلة الغار قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله دعني فلأدخل قبلك، فإن كانْت حية أو شيء كانت فيَّ قبلك.
قال: «ادخل». فدخل أبو بكر رضي الله عنه فجعل يلمس بيديه، فكلما رأى جحرًا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، وبقي جحر فوضع عليه عقبه وقال: أدخل. فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم: فأين ثوبك؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: «اللهمَّ اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة». فأوحى الله إليه أن الله قد استجاب لك.
وأخرج ابن مردويه عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: لما انطلق أبو بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار قال له أبو بكر رضي الله عنه: لا تدخل يا رسول الله حتى استبرئه.
فدخل أبو بكر رضي الله عنه الغار. فأصاب يده شيء، فجعل يمسح الدم عن أصبعه وهو يقول:
هل أنت إلا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت

وأخرج ابن مردويه عن جعدة بن هبيرة رضي الله عنه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: قال أبو بكر رضي الله عنه: لو رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صعدنا الغار، فأما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفطرتا دمًا، وأما قدماي فعادتا كأنهما صفوان.
قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعوّد الحفية.
وأخرج ابن سعد وابن مردويه عن ابن مصعب قال: أدركت أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة، فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل بعصيهم وأسيافهم وهراويهم، حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم قدر أربعين ذراعًا فنزل بعضهم فنظر في الغار، فرجع إلى أصحابه فقالوا: ما لك لم تنظر في الغار؟! فقال: رأيت حمامتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فعرف أن الله درأ عنه بهما فسمت النبي صلى الله عليه وسلم عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم، فأخرج ذلك الزوج كل شيء في الحرم.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه بسند واه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار فعطش، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب إلى صدر الغار فاشرب». فانطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى صدر الغار فشرب منه ماء أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأزكى رائحة من المسك، ثم عاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن خرق نهرًا من جنة الفردوس إلى صدر الغار لتشرب».
وأخرج ابن المنذر عن الشعبي رضي الله عنه قال: والذي لا إله غيره لقد عوتب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في نصرته إلا أبا بكر رضي الله عنه، فإن الله تعالى قال: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} خرج أبو بكر رضي الله عنه والله من المعتبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سالم بن عبيد الله رضي الله عنه- وكان من أهل الصفة- قال: أخذ عمر بيد أبي بكر رضي الله عنهما فقال: من له هذه الثلاث.
إذ يقول لصاحبه من صاحبه؟ {إذ هما في الغار} من هما؟ {لا تحزن إن الله معنا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن الحارث عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟ قال: رجل: أنا.
قال: اقرأ. فلما بلغ {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} بكى وقال: والله أنا صاحبه.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال: كان صاحبه أبا بكر رضي الله عنه، والغار جبل بمكة يقال له ثور.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبو بكر أخي وصاحبي في الغار فاعرفوا ذلك له، فلو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، سدوا كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر».
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو اتخذت خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن أخي وصاحبي في الغار».
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه في قوله: {إذ هما في الغار} قال: الغار الذي في الجبل الذي يسمى ثورًا.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت قومًا يصعدون حراء فقلت: ما يلتمس هؤلاء في حراء؟ فقالوا: الغار الذي اختبأ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه.
قالت عائشة رضي الله عنها: ما اختبأ في حراء إنما اختبأ في ثور، وما كان أحد يعلم مكان ذلك الغار إلا عبد الرحمن بن أبي بكر وأسماء بنت أبي بكر فإنهما كانا يختلفان إليهما، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه فإنه كان إذا سرح غنمه مر بهما فحلب لهما.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: مكث أبو بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثًا.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، ولما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجرًا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال ابن الدغنة: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي.
قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار. فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا ولا يشتغلن بالصلاة والقراءة في غير داره. ففعل ثم بدا لأبي بكر رضي الله عنه فابتنى مسجدًا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رضي الله رجلًا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم فقالوا: إنَّا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة، وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنَّا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.
فأتى ابن الدغنة أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه، فأما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب إني أخفرت في عقد رجل عقدت له. فقال أبو بكر رضي الله عنه: فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم- ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين «قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان» فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين، وتجهز أبو بكر رضي الله عنه مهاجرًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي». فقال أبو بكر رضي الله عنه: وترجو ذلك بأبي أنت؟! قال: «نعم». فحبس أبو بكر رضي الله عنه نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر.